كيف استطاع الشباب السعودي إعادة تعريف العملية الإبداعية من الصفر؟

عمرو مرجاوي، الرئيس الإبداعي التنفيذي – «صفر»، يتلمس معالم مفهوم جديد للعملية الإبداعية في صناعة الإعلان يقوده شباب متجذّرون في الهوية السعودية، ومنفتحون على تجارب عالمية عدة، ومستفيدون من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

عمرو مرجاوي، الرئيس الإبداعي التنفيذي؛ صفرعمرو مرجاوي، الرئيس الإبداعي التنفيذي؛ صفر

أعاد جيل الشباب المبدعين في المملكة العربية السعودية تعريف مفهوم العملية الإبداعية في صناعة الإعلان، متخطّين القالب التقليدي الذي أقرّه منذ سنوات عرّابو الصناعة ووكالات الإعلان العالمية، بمدارسها التي تشترك جميعها في الشكل التقليدي للفريق الإبداعي، والذي يُختزل غالباً في ثنائية الكاتب والمصمم، حيث نشهد اليوم مفهوماً جديداً للعملية الإبداعية يقوده شباب متجذّرون في الهوية السعودية، ومنفتحون على العالم في آنٍ واحد.

يتميز هذا الجيل بتكوينه المتنوع، إذ يجمع بين وعي ثقافي واسع ينبع من انفتاح على تجارب عالمية عدة، وحسٍّ يتسم بالإبداع في ظل التحولات الفنية التي تشهدها المملكة اليوم.

وفي الوقت ذاته، أصبحنا نرى أن الكثير من هؤلاء الشباب متعددي المواهب يعمدون إلى تبني أفكارٍ تتجاوز حدود التخصص الواحد، الأمر الذي ينعكس بوضوح في أساليب تفكيرهم وتعبيرهم وتنفيذهم للأعمال الإبداعية. كل ذلك يسهم اليوم في إعادة تشكيل النموذج التقليدي للعملية الإبداعية.

هذا التغيير الذي نلاحظه في العملية الإبداعية لم يكن بمحض الصدفة، بل هو نتاج عوامل عدة أسهمت في بلورة هذا المشهد المثير للاهتمام، والذي سيدفع بالكثير من الشباب السعوديين المبدعين إلى مقدمة الصفوف الأمامية في صناعة الإعلان، ليس داخل المملكة وحسب، بل ربما على مستوى المنطقة بأكملها.

أولى هذه العوامل كانت رؤية 2030 التي مهدت الطريق لعصر جديد من الإلهام والإبداع، من خلال منح الشباب المبدعين فرصةً للاطلاع، والتفاعل مع مختلف أشكال الفنون، بدءاً من المعارض الفنية العالمية للمهرجانات السعودية للأفلام، مروراً بالنشاطات الترفيهية والرياضية، وأسابيع الموضة والأزياء، ووصولاً إلى الكثير من الفعاليات التي جعلتهم محاطين بالإلهام من كل الاتجاهات؛ فأصبحت البيئة من حولهم مشجعة على توسيع المدارك والابتكار من دون خوف أو تردد، ما أتاح للسردية السعودية الحديثة أن تتبلور بأسلوبها الخاص، وتحجز مكاناً بارزاً لها في مشهد ظلّ لعقود حكراً على أفكار ومبدعين من خارج المملكة.

ثانياً؛ كل من عاصر ما يمكن تسميته بـ «المدرسة القديمة» في مجال الإعلانات، أو شهد آخر ما تبقى منها، بمن فيهم أنا، يدرك أن الطريقة الكلاسيكية في العمل تُقيّد المبدعين في أدوار معينة ضمن حدود المسميات الوظيفية، وأي محاولة للخروج عن النص كانت تُفسّر أحياناً كتعدٍّ. لكن كما أشرت سابقاً، الجيل الجديد من المبدعين لا يعترف بهذه الحدود؛ فالمصمم يكتب، والمخرج الفني يؤلف الموسيقى، والكاتب أصبح يتولى الإخراج.

من ناحية أخرى، يسهم الذكاء الاصطناعي في وقتنا الحاضر بإحداث ثورة في العملية الإبداعية، فقد أتاح المجال أمام الشباب المبدعين للتجربة والتعلم بشكل أسرع، وفتح أمامهم آفاقاً جديدة لنقل أفكارهم إلى مستويات جديدة، من تنفيذ الأفكار البصرية في ثوانٍ معدودة، وتنظيم جلسات العصف الذهني بكفاءة، إلى سهولة الوصول للمعلومات الداعمة للأفكار الإبداعية، ما يمكّنهم من التركيز على جوهر العملية الإبداعية: الفكرة!

نتيجة لكل ذلك، ثمة شكل جديد للعملية الإبداعية يختلف عن المدرسة التقليدية كما نعرفها. على سبيل المثال، فكرة التسلسل الهرمي في الفريق الإبداعي بدأت تتلاشى، لتحلّ محلها بنية ديناميكية ديموقراطية تتيح لكل شخص مساحة للتأثير الحقيقي – بعيداً عن الشعارات – حيث يصبح ملموساً بغض النظر عن المسمى الوظيفي أو حدود الصلاحيات. وقد نتج عن هذا التغيير أفكار جديدة غير مألوفة. أذكر موقفاً حدث قبل عامين تقريباً، حين كنا نعمل على حملة لإحدى العلامات التجارية، وخلال إحدى الجلسات، قادنا الحوار مع مدير تطوير الأعمال الشاب، إلى جملة من كلمتين، وكانت كافية للحصول على موافقة المتعامل من أول عرض، ومنها لتعاون حصري لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.

إضافة إلى ذلك، لم تعد العملية الإبداعية المتعارف عليها تسير في خط مستقيم؛ فمع وجود الذكاء الاصطناعي والتحليل المباشر لتفاعل الجمهور، أصبحت الحملات الإعلانية تتطور وتُصقل أثناء بنائها، ما جعل العملية الإبداعية أكثر مرونة وتفاعلاً من أي وقت مضى. هذا التحوّل ساعد المواهب الشابة على تأسيس نهج حديث وجديد من خلال عملية إبداعية تقوم على التعاون الحقيقي والتواصل السلس بين أعضاء الفريق بشكل طبيعي وعفوي.

يشهد الإبداع في المملكة العربية السعودية اليوم عصراً جديداً من التألق، ولا يزال يزداد قوة وازدهاراً بفضل الانفتاح الثقافي، مدعوماً بأحدث الوسائل التكنولوجية، والأهم من ذلك، هو ظهور جيل جديد وجريء يرفض الانصياع لبروتوكولات قديمة ومسميات تحدُّ من إبداعه. جيلٌ قادرُ على تقديم طرق جديدة ومبتكرة تختلف عمّا اعتدنا عليه طوال السنوات الماضية.

كقادة إبداعيين، علينا أن ندرك أن التغيير في العملية الإبداعية ليس مجرد سحابة صيف عابرة، بل هو واقع جديد؛ فالصناعة تتطور، وواجبنا لا يكمن في أن نتقبل هذا الواقع فقط، بل أن ندعمه ونستخدمه كحافز لتطوير مواهبنا وأعمالنا، من خلال منح المبدعين المساحة والأدوات اللازمة لاستكشاف طرق جديدة للنجاح. والسؤال هنا ليس فقط إذا كنا قادرين على قبول هذا التغيير، بل هل نمتلك الشجاعة لتمكينه وتوجيهه لصالحنا؟