عامر الحاج،
الرئيس التنفيذي؛ مجموعة GroupM MENAتابعت على مدى عقدين من العمل في مشهد الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحولاتٍ عدة في سلوك المستهلك، لكن لم أشهد أياً منها بمثل هذه الوتيرة والحافلة بالتشويق كما نراها في المملكة العربية السعودية اليوم.
إن العلاقة بين التأثير العالمي والهوية المحلية تعيد صياغة سلوك المستهلك السعودي بطرق تتطلب اهتمامنا كمسوّقين وقادة أعمال. في السياق ذاته، تواصل رؤية السعودية 2030 ترسيخ الشعور بالفخر الوطني وتمكين المواطنين من المشاركة بفعالية في بناء اقتصاد متنوع ومزدهر. وفي الوقت ذاته، فهي تعزز الانفتاح على العالم والتفكير بمنظور دولي. ويتجلى هذا التحول بشكل مباشر في سلوك المستهلك، ما يعزز تفضيل كل من الشركات المحلية والعلامات التجارية العالمية التي تثبت فَهْمها لاحتياجات المستهلكين وتلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم. لقد سرعت «رؤية 2030» التحول الرقمي، وظهور شريحة سكانية شابة واعية عالمياً ولكنها فخورة محلياً تمثل ما يزيد على 60% من السكان.
عندما دخلت صناعة الإعلام للمرة الأولى، كان المستهلكون السعوديون ينظرون عادةً إلى العلامات التجارية العالمية باعتبارها المعيار الذهبي للجودة والمكانة الاجتماعية. وهيمنت التأثيرات الغربية على الرسائل الطموحة. أما اليوم، فنحن نشهد شيئاً أكثر تعقيداً وأكثر إثارة للاهتمام.. نشهد توازناً جديداً، حيث يلتقي الاستهلاك العالمي بالهوية المحلية.
تُظهر بياناتنا الخاصة من الأشهر الثمانية عشر الماضية اتجاهاً لافتاً للنظر؛ ففي الوقت الذي تستمر فيه العلامات التجارية العالمية في المحافظة على مكانتها، شهدنا ارتفاع معدل نمو العلامات التجارية المحلية في القطاعات المتوافقة مع «رؤية 2030»، مثل التكنولوجيا وحلول الطاقة المتجددة والخدمات المتعلقة بالسياحة. وهذا التوجه يعكس دعماً متزايداً للابتكار المحلي فضلاً عن تعزيز النمو الاقتصادي. ويتجلى هذا في اتجاهات رئيسة عدة كانت فرق الرؤى لدينا في «GroupM» تتابعها عن كثب:
صعود «الاعتزاز بالمحلية» كمحرك للاستهلاك
يسعى المستهلكون السعوديون الشباب بنشاط إلى المنتجات المحلية بفخر. هذا ليس مجرد وطنية، بل هو خيار واعٍ يعكس الاعتراف المتزايد بأن السلع المحلية يمكن أن تنافس من حيث الجودة والابتكار مع إضافة الأصالة والأهمية الثقافية.
إعادة تعريف معايير علامات الرفاهية والمكانة
في حين كانت علامات الرفاهية الغربية تحتكر في السابق إظهار المكانة، فقد أصبحت الفرادة والأصالة والهوية وراء المنتج عناصر أساسية تؤثر في قرارات الشراء. في الوقت الراهن، تتنافس العلامات التجارية السعودية في مجال الأزياء والمأكولات والعطور مع نظيراتها العالمية ليس فقط محلياً، بل تجاوزت ذلك لتتنافس على المستوى الدولي.
الربط بين التقاليد والحداثة
يتطلع المستهلك السعودي اليوم إلى تجارب تمزج بين التراث الغني للمملكة والابتكارات المعاصرة. هذا واضح في تفضيلات الترفيه وخيارات تناول الطعام ومنتجات العناية الشخصية والأزياء، حيث تزدهر النماذج التي تقدم محتوى عصرياً بروح سعودية أصيلة.
الدور المتطور لوسائل التواصل الاجتماعي
يعد المستهلكون السعوديون من بين الأكثر نشاطاً رقمياً في العالم، حيث يتجاوز متوسط الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي المعايير العالمية بنحو 40%. ولكن الأمر الرائع هو كيف تحولت هذه المنصات من نوافذ للعالم الأوسع إلى مسارح للتعبير الثقافي المحلي والتجارة.
بالنسبة للعلامات التجارية والمسوقين، تمثل هذه التحولات تحدياتٍ وفرصاً على حد سواء. لم تعد القاعدة القديمة المتمثلة في تبني الحملات العالمية مع الحد الأدنى من التكييف المحلي كافية. ولا يكفي إضفاء الملامح السعودية بشكل سطحي الذي يقتصر على تغيير الصور فقط دون فهم ثقافي أعمق.
النجاح الآن يتطلب المشاركة الأصيلة مع الثقافة السعودية كواقع حي متطور؛ فقد أصبح المستهلكون يتوقعون أن تسهم العلامات التجارية بدور فاعل في التنمية الثقافية والاقتصادية للمملكة.
في«GroupM»، استجبنا من خلال إعادة التفكير بشكل أساسي في نهجنا تجاه السوق السعودي. لقد دمجنا الأهداف الوطنية للمملكة في استراتيجية التواصل الخاصة بعملائنا، وأظهرنا إسهاماتهم في التنويع الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والإثراء الثقافي، واستثمرنا في برامج التدريب والتطوير للمواطنين السعوديين، وابتكار فرص عمل والمساهمة في تنمية رأس المال البشري.
السوق السعودي لم يعد مجرد مستهلك، بل شريك عالمي يشهد تقدماً سريعاً. ومع استمرار المملكة في رحلتها نحو تحقيق «رؤية 2030»، ستحظى العلامات التجارية التي تعزز هذه الشراكة وتنسجم قيمها مع التطلعات الوطنية، بفرص نجاح واعدة.
النتائج تتحدث عن نفسها؛ الحملات التي تربط بشكل أصيل بين أفضل الممارسات العالمية والإرث الثقافي السعودي الحقيقي تتفوق باستمرار على النهج التقليدي عبر جميع المقاييس، بدءاً من الوعي والمشاركة ووصولاً إلى التحول والولاء.
وبينما ننظر إلى المستقبل، سيستمر هذا التوازن بين التأثير العالمي والهوية المحلية في التطور. بالنسبة للعلامات التجارية العالمية، هذا يعني الانتقال من رؤية المملكة العربية السعودية كمجرد سوق آخر للتوسع التجاري إلى التعامل معها كسياق ثقافي فريد يتطلب فَهْماً واحتراماً حقيقيين. أما بالنسبة للعلامات التجارية المحلية، فهذا يعني الاستفادة من الأصالة الثقافية مع الحفاظ على المعايير العالمية في جودة المنتج وتجربة المتعاملين.
إن العلامات التجارية والشركات التي ستنجح في هذا المشهد الديناميكي ستكون تلك التي تدرك حقيقة أساسية، وهي أنّ رحلة المستهلك السعودي ليست خطاً مستقيماً من التقليد إلى الحداثة، أو من المحلي إلى العالمي، بل هي تنقّل مستمر بين هذه الأقطاب، ما يبلور هوية فريدة متجددة تجمع بين العالمية والخصوصية السعودية.








