الابتكار والتكيف الثقافي والميزة التجارية.. ثلاثية النجاح في عالم الإعلان المتسارع

زياد سكرية المدير العام – شركة OMD السعودية، يرصد التطور المتسارع في قطاع الإعلان والتسويق في المملكة العربية السعودية مقدماً وصفة تتضمن ثلاث ركائز أساسية تحدد معايير النجاح في الإعلام الحديث، وهي الابتكار، والتكيف الثقافي، والميزة التجارية، والتي تضمن إعادة صياغة طريقة التواصل مع الجمهور عبر تقديم محتوى يجعل المستهلك يشعر بأنه جزء من التجربة.

زياد سكرية، المدير العام؛ شركة OMD السعوديةزياد سكرية، المدير العام؛ شركة OMD السعودية

يواكب قطاع الإعلان والتسويق في المملكة العربية السعودية تحولاً متسارعاً مدفوعاً بالتقدم التكنولوجي، وتغير سلوك المستهلك، وتطور استراتيجيات العلامات التجارية بما يتماشى مع رؤية 2030. في هذا المشهد الديناميكي، لم يعد النجاح مرهوناً فقط بالتكيف مع التغيرات، بل أصبح يتطلب استباق المستقبل، وابتكار تجارب مؤثرة تنبع من تفاعل حقيقي مع الثقافة المحلية.

وسط هذا التطور، تبرز ثلاث ركائز أساسية تحدد معايير النجاح في الإعلام الحديث، وهي الابتكار، والتكيف الثقافي، والميزة التجارية، وهي حجر أساس لأي استراتيجية تسويقية تهدف إلى ترسيخ العلامة التجارية في ذهن وقلب المستهلك السعودي.

إلى ذلك، الإبداع اليوم لم يعد رفاهية، بل ضرورة في سوق غارق بالمحتوى. وفي هذا الإطار، يتطلب التميز ابتكاراً يتجاوز الشكل الفني إلى علم مدعوم بالتكنولوجيا، لفَهْم الجمهور وتقديم تجارب مصممة خصيصاً له. وتزداد أهمية هذا التوجه في المملكة العربية السعودية التي تشهد نمواً سريعاً في قطاعي التكنولوجيا والابتكار، مع توقعات بإسهام الذكاء الاصطناعي بنحو 135 مليار ريال إلى الناتج المحلي بحلول 2030.

 

كيف يتحقق ذلك؟

التحليلات المتقدمة.. يتيح تحليل بيانات المستخدمين فَهْم احتياجاتهم وتقديم محتوى مخصص يعزز تجربتهم. في المملكة العربية السعودية، استخدمت شركة الاتصالات «زين» هذه التقنيات لفَهْم احتياجات المتعاملين من الشباب، حيث قدمت محتوى مخصصاً يشمل حزم البيانات والخدمات الترفيهية، ما أسهم في زيادة الولاء والتفاعل مع العلامة التجارية.

المحتوى التفاعلي.. إن استخدام تقنيات، مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي لتحويل الإعلانات إلى تجارب حية، حسب الإحصاءات، يجعله خياراً مفضلًا لـ %68 من السعوديين عند التفاعل مع العلامات التجارية.

السرد القصصي المؤثر.. بناء حملات تروّج للعلامات التجارية من خلال قصص تلهم الجمهور، وتجعله يشعر بأنه جزء من التجربة، وليس مجرد متلقٍ للإعلانات. وتُظهر الدراسات أن السرد القصصي يُتذكر أكثر من المحتوى الإعلاني التقليدي بـ 22 ضعفاً.

 

التكيف الثقافي.. فهم الجمهور والتواصل بفعالية

النجاح في التسويق اليوم لا يعتمد فقط على قوة الرسالة الإعلانية، بل على مدى ارتباطها بثقافة وقيم الجمهور المستهدف. فمع تنوع الأجيال والاهتمامات في المملكة، أصبح من الضروري أن تستوعب العلامات التجارية هذه الفروقات وتتكيف معها.

تضم المملكة اليوم جيلين رئيسيين يشكلان ملامح السوق وأكثر من 65% من السكان؛ جيل الألفية (Millennials وهو الجيل الذي يرمز إلى الفئة التي وُلدت بين أوائل الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، والذي يفضل التجارب الرقمية، ويتفاعل مع العلامات التجارية التي تعكس قيمه؛ وجيل Z، وهو الجيل الذي يلي جيل الألفية ويشمل الأفراد المولودين من منتصف التسعينيات إلى عام 2010، والذي يستهلك المحتوى بكثافة عبر الهواتف الذكية، ويبحث عن الأصالة والابتكار في المحتوى الترفيهي.

المستهلك السعودي اليوم أكثر وعياً وحرصاً على اختيار محتوى يعكس هويته ويعبّر عن اهتماماته.

وعندما تجيد العلامات التجارية فَهْم ثقافة المجتمع وقيمه، تقدم محتوى أصيل ينبع من بيئته، تقترب منه أكثر وتكسب ولاءه العاطفي. على سبيل المثال، مع تنامي الاهتمام بالرياضة والفنون والثقافة المحلية، يصبح من الضروري مواكبة هذه التوجهات واستغلال المناسبات الوطنية والمواسم الترفيهية باعتبارها فرصاً لصنع ذكريات تربط العلامة التجارية بوجدان المجتمع، لا مجرد أدوات تسويق.

وهذا ما نقوم به بالفعل؛ من خلال أنظمة متقدمة مدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل كميات ضخمة من بيانات الجمهور، واكتشاف أنماط سلوكية واهتمامات حقيقية، الأمر الذي يمكننا من ابتكار حملات إعلانية تحمل بُعداً ثقافياً أصيلاً.

 

الميزة التجارية.. تحويل الإبداع إلى نجاح تجاري مستدام

لم يعد النجاح في الإعلام والتسويق مرتبطاً فقط بحجم الميزانيات، أو مدى انتشار الحملات، بل أصبح مرتبطاً بمدى قدرة العلامات التجارية على خلق قيمة حقيقية تعزز علاقتها مع المستهلكين وتترجم إلى نمو مستدام.

 

دور التكنولوجيا في تعزيز الميزة التجارية

أصبحت التكنولوجيا عاملاً حاسماً في بناء ميزة تنافسية مستدامة خاصة في مجال الإعلان والإعلام، حيث تسهم في تحسين الكفاءة والتخصيص وتعزيز فعالية الحملات التسويقية. على سبيل المثال، تحسين تجربة المتعاملين من خلال روبوتات الدردشة والتوصيات الذكية، علماً بأن %65 من العلامات التجارية في المملكة تستخدم روبوتات الدردشة لتحسين خدمة المتعاملين، ما يعكس التحول الرقمي المتسارع في القطاع. أو استخدام الذكاء الاصطناعي في الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) لتعزيز تجربة المستهلك، أو استخدام الإعلانات المبرمجة لزيادة العائد على الاستثمار وتحسين الإنفاق والفعالية.

أمام هذا المشهد الإعلامي سريع التطور ثمة سؤال يراودنا؛ هل نحن مستعدون لصناعة المستقبل؟ فلم يعد الحديث عن البقاء في المنافسة كافياً، بل أصبح المطلوب صناعة مستقبل جديد. كذلك النجاح لم يعد حكراً على من يملك أكبر الميزانيات، بل لمن يفهم أن الإبداع لم يعد ترفاً، بل ضرورة استراتيجية، وأن الثقافة ليست حاجزاً، بل بوابة للتميز والانطلاق نحو العالمية، وأن تقديم تجارب قيّمة للجمهور هو أساس تحقيق نجاح تجاري مستدام.