مستقبل قطاع التواصل باللغة العربية

بين ثنايا هذا المقال، يتناول مجدي غريزي، المدير العام – شركة بولد إنفلوانس للتواصل الاستراتيجي (Bold Influence)، واقع قطاع التواصل باللغة العربية مع المجهور محلياً ودولياً، مؤكداً أهمية استكشاف آفاق جديدة في أساليب السرد تمتلك فَهْماً عميقاً للثقافة المحلية تتماشى مع المنصات الرقمية، مع التمسك بالأصالة والشفافية.

مجدي‭ ‬غريزي،‭ ‬المدير‭ ‬العام؛‭ ‬شركة‭ ‬بولد‭ ‬إنفلوانس‭ (‬Bold Influence‭) ‬للتواصل‭ ‬الاستراتيجيمجدي‭ ‬غريزي،‭ ‬المدير‭ ‬العام؛‭ ‬شركة‭ ‬بولد‭ ‬إنفلوانس‭ (‬Bold Influence‭) ‬للتواصل‭ ‬الاستراتيجي

تعيش المملكة العربية السعودية تحولاً تاريخياً شاملاً تقوده رؤية 2030 التي تستهدف تنويع الاقتصاد، والارتقاء بجودة الحياة، وترسيخ مكانة المملكة قوة عالمية رائدة. في ظل هذه التحولات المتسارعة، يبرز قطاع التواصل باللغة العربية بوصفه شريكاً استراتيجياً في سرد رواية هذا التغيير، وتسليط الضوء على الإنجازات، وتعزيز التواصل الفعّال مع الجمهور محلياً ودولياً.

فالتواصل لم يعد مجرد أداة لنقل المعلومات، بل أصبح عنصراً فاعلاً في الابتكار، ومنصة لتشكيل التصورات، ووسيلة لتعزيز التفاعل والمشاركة. من هنا، فإن تبني التكنولوجيا الناشئة، واستكشاف آفاق جديدة في أساليب السرد والتواصل، بات ضرورة مُلحّة لمواكبة طموحات المملكة وتطلعات شعبها.

ففي زمن تتجاوز فيه الحكاية حدود الكلمات، يصبح السرد أداة لبناء المعاني، لا مجرد وسيلة لنقلها؛ هو تجربة تفاعلية تتطلب فَهْماً عميقاً للقيم الثقافية، والاتجاهات الاجتماعية، واللغة المتجددة التي يتبناها الجيل الرقمي. وفي المملكة، حيث تسهم الهوية الثقافية والتراث الغني بدور جوهري في تشكيل الوعي العام، تزداد الحاجة إلى إتقان السرد العربي الأصيل أكثر من أي وقت مضى.

المشهد المتجدد للسرد العربي في المملكة يفتح أمام المؤسسات والجهات المختلفة فرصاً واسعة لبناء تواصل فعّال مع الجمهور، وتعزيز علاقات قوية ومستدامة. ولتحقيق النجاح في هذا السياق، لا بد من امتلاك فَهْم عميق للثقافة المحلية، واعتماد أساليب سرد تتماشى مع المنصات الرقمية، والتمسك بالأصالة والشفافية كعنصرين أساسيين في بناء الثقة.

كما يُعد تطوير مهارات فرق التواصل، ومواكبة التوجهات الحديثة، وتبني عقلية مرنة قادرة على التكيّف، من الركائز الجوهرية للنجاح في هذا العصر الرقمي. فعندما يُصاغ السرد العربي الأصيل بفَهْم دقيق وذكاء، يصبح أداة فعالة في التأثير والإلهام وتعزيز الارتباط الحقيقي مع الجمهور السعودي.

تَبَنّي هذه التحولات وفَهْمها يشكّلان المفتاح لصناعة علامات تجارية ومؤسسية قوية، وتحقيق أهداف التواصل بكفاءة.

إلى ذلك، يمتاز التواصل العربي في المملكة بغنى لغوي وثقافي عميق؛ فاللغة العربية ليست فقط وسيلة لنقل الرسائل، بل وعاء للقيم والتقاليد والعادات. لهذا، فإن فَهْم الفروقات الدقيقة في استخدام اللغة – سواء بين الفصحى واللهجات – حسب الجمهور المستهدف وطبيعة الرسالة، يُعد أساساً لصياغة محتوى فعّال ومؤثر.

تحقيق تطلعات المملكة في قطاع التواصل يتطلب استثماراً حقيقياً في الجيل القادم من المتخصصين، ويبدأ ذلك بتوفير برامج تعليمية وتدريبية متقدمة، تمنح الشباب السعودي الأدوات والمهارات التي تمكّنهم من مواكبة أحدث الاتجاهات في مجال التواصل، من بين هذه المهارات: الإبداع في السرد الرقمي، وفَهْم وتحليل البيانات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والتواصل مع مختلف أصحاب المصلحة، وإدارة السمعة في بيئات رقمية متشابكة. كما أن توفير فرص التوجيه والتدريب وتحفيز الشباب على استكشاف تقنيات جديدة، هو استثمار مباشر في مستقبل قطاع التواصل ودوره الحيوي في تحقيق رؤية المملكة الطموحة.

شهد دور العلاقات العامة في المملكة تطوراً ملحوظاً، إذ لم يعد مقتصراً على إدارة العلاقة مع وسائل الإعلام فقط، بل توسّع ليشمل بناء علاقات استراتيجية مع الجهات الحكومية، والشركات، والمجتمعات المحلية، والأفراد.

هذا الدور المتطور يتطلب فَهْماً دقيقاً لأولويات أصحاب المصلحة، وتطوير استراتيجيات تواصل مخصصة تستجيب لاحتياجاتهم وتطلعاتهم.

كما أن بناء سمعة مؤسسية قوية أصبح يعتمد على الالتزام بالشفافية، والمسؤولية الاجتماعية، والمساهمة الفاعلة في أهداف التنمية الوطنية.

وتُعد إدارة السمعة الاستباقية والتواصل الفعّال وقت الأزمات من العوامل الأساسية في الحفاظ على ثقة الجمهور. أما بناء علاقات قوية مع المؤثرين وصناع الرأي، فيسهم بشكل كبير في تعزيز الرسائل الإيجابية والمصداقية.

وسط هذا الكم الهائل من المعلومات المتدفقة، يتطلع الجمهور السعودي إلى رسائل صادقة وشفافة تعكس قيم المؤسسة ومواقفها. الشعارات لم تعد كافية؛ بل ما يبحث عنه الناس اليوم هو سرد حقيقي ينبع من الواقع، وتأخذ مبادرات المسؤولية الاجتماعية والتواصل الهادف دوراً متزايد الأهمية في بناء علاقات متينة مع الجمهور. القصص التي تُبرز جهود المؤسسة في خدمة المجتمع، أو دعم القضايا المحلية، أو المساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030، غالباً ما تلقى تفاعلاً إيجابياً وتعزز من مكانتها.

الشفافية، والاعتراف بالأخطاء عند وقوعها، والتعامل الصادق مع استفسارات وشكاوى الجمهور، هي من أهم عناصر بناء الثقة طويلة الأمد؛ فالجمهور السعودي يقدّر الصدق والوضوح، ويميل لدعم المؤسسات والعلامات التي تتحلى بالمسؤولية والنزاهة.

في الختام، يمثل مستقبل التواصل العربي في المملكة رحلة زاخرة بالفرص والتحديات، وهو ليس مجرد أفق واعد، بل مسؤولية جماعية تتطلب منّا – كمؤسسات وأفراد وشركات تواصل استراتيجي – أن نعمل بانسجام وشغف، من أجل صياغة سرد مؤثر وأصيل يعكس التحول الطموح الذي تعيشه المملكة ويُسهم في ترسيخ مكانتها عالمياً. إنها فرصة ذهبية لنكون جزءاً من فصل جديد ومشرق يُكتب اليوم في تاريخ التواصل العربي، فصل نروي فيه قصة المملكة بأسلوب يعكس طموحها وواقعها ومستقبلها.