ماذا تعني مسيرة المملكة العربية السعودية نحو الذكاء الاصطناعي للمسوّقين اليوم؟

أمجد بوليالي، من «بلاتفورمانس السعودية»، يشير إلى أن المملكة تمضي بسرعة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتستثمر على نطاق واسع فيه، ما يضعها بين أبرز الرواد العالميين.

حقوق الصورة محفوظة – أمجد بوليالي؛ المدير العام، شركة بلاتفورمانس السعوديةحقوق الصورة محفوظة – أمجد بوليالي؛ المدير العام، شركة بلاتفورمانس السعودية

إعداد محرري مجلة «كامبين الشرق الأوسط»؛ يوليو 28، 2025

أكدت زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأخيرة إلى الرياض، يصحبه رؤساء «OpenAI» و«NVIDIA» و«أمازون» وغيرهم، أن المملكة العربية السعودية لا تكتفي بمواكبة سباق الذكاء الاصطناعي وحسب، بل تمضي بخطى واثقة نحو الريادة العالمية في هذا المجال.

ويرى أمجد بوليالي أن هذا التحول ليس بعيداً عن عالم التسويق؛ فالذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل طريقة بناء العلامات التجارية. وأن ما نشهده اليوم ليس مجرد تغير تدريجي، بل قفزة نوعية تُسرّع وتيرة التغيير بشكل غير مسبوق نحو المستقبل.

ففي منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، الذي عُقد في شهر مايو الماضي، تم توقيع صفقات بقيمة 600 مليار دولار أميركي، ركّز معظمها على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية.

من بين أبرز هذه الصفقات، استثمار شركة «DataVolt»، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، بنحو 20 مليار دولار أميركي في مراكز البيانات والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتوريد «NVIDIA» نحو 18 ألف شريحة من نوع GB300 Grace Blackwell لتشغيل ما يمكن تسميته مصانع الذكاء الاصطناعي. كما أطلقت شركة «Humain» بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، نماذج لغوية ضخمة تركز على تطوير الذكاء الاصطناعي باللغة العربية. في حين التزمت شركات كبرى، مثل «جوجل» و«أمازون» و«أوراكل» و«أوبر» بتأسيس مشاريع مشتركة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية بقيمة 80 مليار دولار أميركي.

وأضاف بوليالي: «هذا التوجه لا ينعكس على المشهد التكنولوجي وحسب، بل يغير قواعد اللعبة؛ فالذكاء الاصطناعي أصبح المحرك الجديد للاقتصاد السعودي».

لكن لماذا يُعد هذا التحول مهماً للمسوّقين؟ بحسب أمجد بوليالي، فإن معظم استراتيجيات التسويق الحالية لا تواكب السرعة الفائقة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي؛ فالسلوك الاستهلاكي يتغير بوتيرة غير مسبوقة، والمحتوى وحده لم يعد جاذباً، بل أصبح الذكاء الاصطناعي محركاً لتوجهات الأفراد وتفاعلهم. كما أن الأدوات والمنصات والتكنولوجيا تتغير بشكل أسرع من قدرة الفرق الداخلية على التكيف، الأمر الذي يفرض على المسوّقين إعادة التفكير في كيفية عملهم.

ومع ذلك، فإن هذه الطفرات التكنولوجية لا تعني شيئاً ما لم تحقق نتائج ملموسة، إذ إن كل قناة أو أداة يتواصل استخدامها، أو قرار يُتخذ، يجب أن يحقق قيمة تجارية قابلة للقياس، سواء عبر خفض التكاليف، أوتوليد إيرادات جديدة، أو استقطاب متعاملين نوعيين، أو تحسين الأرباح.

الذكاء الاصطناعي ونقلة الإنتاجية ×10

يؤكد أمجد بوليالي أن أدوات الذكاء الاصطناعي تمثّل نقلة إنتاجية تضاعف سرعة التنفيذ عشر مرات؛ ففي السابق، كانت مهام مثل توليد النصوص وإنتاج محتوى إبداعي ديناميكي، وتقسيم الجمهور، وتحسين الحملات، تستغرق ساعات وربما أياماً. أما اليوم، فإن إنجازها لا يستغرق سوى دقائق معدودة.

لكن هذا لا يعني شيئاً إن لم يترجم إلى نتائج ملموسة، سواء كان في صورة خفض التكاليف، وتسريع الوصول إلى السوق، وزيادة المبيعات لكل أصل رقمي، أو تحسين العائد على الإنفاق. ومن دون ذلك، لا معنى للسرعة.

الذكاء الاصطناعي لا يضمن النجاح من دون بذل جهد

يعمد كثيرون من المسوّقين إلى نسخ محتوى الذكاء الاصطناعي من دون مراجعة، ما يؤدي إلى مشكلات جمّة. ويأتي بعض أسوأ المحتويات التي نراها اليوم من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من دون تفكير منطقي؛ فقد تبدو النبرة صحيحة، والأسلوب مُقنعاً، لكن عند التدقيق نجد حقائق مغلوطة أو مضللة. وفي هذا السياق يقول أمجد بوليالي: «يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتسريع إنجاز المهام، لكن يجب التحقق باستمرار، مراجعة وتحرير المحتوى، وتحمل مسؤولية النتائج».

الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة مذهلة، وما نراه اليوم هو مجرد البداية. لكن علينا أن نتذكر أن النتائج المُجزية لا تأتي من أدوات قوية فقط، بل من طريقة استخدامها، ومهما بلغ تطور الذكاء الاصطناعي، سيؤدي المحتوى الرديء والتفكير الكسول إلى نتائج مُخيبة.

تحسين المحتوى لنماذج الذكاء الاصطناعي أصبح أساس التسويق الرقمي الحديث

أساليب تحسين محركات البحث التقليدية لم تعد وحدها كافية في عصر يقوده الذكاء الاصطناعي لتمييز المحتوى، أو رفع ترتيبه؛ فالكلمات المفتاحية والروابط الخلفية كانت أكثر فاعلية في تصنيف المحتوى في السابق.

يتطلب التحول الحالي التفكير بطريقة مختلفة لإعداد محتوى يتماشى مع طريقة فَهْم وتفسير الذكاء الاصطناعي للمعلومات وتقديمها، وذلك من خلال هيكلة المحتوى والإجابة عن الأسئلة التي يطرحها المستخدمون، استخدام العلامات المهيكلة (Schema Markup) لشرح المعنى وتوضيح السياق، الكتابة بأسلوب بشري واضح يمكّن الذكاء الاصطناعي من تفسيره، ثم إنتاج محتوى عربي يعكس الواقع المحلي. إن منصات، مثل «TryProfound» تسهم بالفعل في دعم الفرق التسويقية على هذا التحول. ومع تطوير نماذج لغوية ضخمة باللغة العربية بقيادة شركة Humain، ثمة فرصة كبيرة أمام العلامات التجارية لتكون في الريادة.

السعودية تتقدم بخطى ذكية

تتحرك المملكة العربية السعودية بوتيرة سريعة ومدروسة في ريادة مشهد الذكاء الاصطناعي؛ فبفضل القيادة المركزية وسهولة الوصول إلى رأس المال، أصبح بالإمكان اتخاذ قرارات استثمارية كبرى وتنفيذها بشكل أسرع، وهي ميزة غير متوافرة في معظم الأسواق الأخرى. إن صندوق الاستثمارات العامة لا يكتفي بتمويل الأدوات والتكنولوجيا المتقدمة وحسب، بل يمهد الطريق لمنافسة طويلة الأمد في الذكاء الاصطناعي، تشمل البنية التحتية الرقمية، ومعالجات الحوسبة المتقدمة، والشرائح الذكية، فضلاً عن دعم الأبحاث والشراكات العالمية.

تكمن أهمية هذه المنظومة في قدرتها على تسريع طرح للأدوات، وسهولة الوصول إلى حلول الذكاء الاصطناعي، ما ينعكس مباشرة على تحقيق نتائج ملموسة في الأعمال.