الإعلانات في السعودية.. فرص تتجدد بلا قيود

فيصل العيسوي، المدير الإداري الإقليمي – شركة ديجيتك، يتحدث حول التحوّلات غير المسبوقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية والتي تعكس أبعاداً متعددة تتجاوز النمو الاقتصادي التقليدي.

فيصل العيسوي، المدير الإداري الإقليمي؛ شركة ديجيتكفيصل العيسوي، المدير الإداري الإقليمي؛ شركة ديجيتك

تعيش المملكة العربية السعودية تحولاً غير مسبوق، ولا يقتصر هذا التغيير على النمو الاقتصادي وحسب، بل يمتد لإعادة تشكيل الثقافة والهوية؛ فالمشاريع الضخمة التي ترتفع وتعانق سماء الصحارى في المملكة أكثر من مجرد مبانٍ، إذ تحوّلت إلى رموز حية لطموحات جديدة تنبض بالحياة.. العادات الاجتماعية تتطور وتتغير، والأحاديث التي كانت تدور همساً أصبحت بالعلن. وفي خضم هذا التغيير، يبرز جيل جديد متمكن من التكنولوجيا، فضولي ثقافياً، وجريء إبداعياً.

إنها فترة تشع بالطاقة والفرص، في انتظار من يكتشفها. وعلى الرغم من هذا التسارع، ثمة قطاعٌ ما زال يسعى جاهداً لمواكبة وتيرة التغيير؛ الإعلانات.

في عام 2025، لم تعد مشكلة الإعلانات مرتبطة بالوصول إلى الجمهور، أو البنية التحتية الرقمية؛ فقد شهدت المملكة قفزات كبيرة في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات، واكتسبت خبرات واسعة في استخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات المحتوى التفاعلي؛ فالأنظمة التقنية جاهزة، والبيانات تتدفق على مدار الساعة، والمنصات الإبداعية أصبحت قادرة على التفاعل السريع مع أفكار الجمهور المتجددة.

ومع ذلك، يظل السؤال قائماً: «إذا كان لدينا كل هذه الإمكانات الرقمية، لماذا نشعر بأن هناك فجوةً ما؟ ربما لا تكمن المشكلة في السرعة أو الحجم، بل في غياب العُمق والمحتوى الإعلاني الذي يلامس شعور الإنسان ويؤثر فيه».

تسارع وتيرة الانفتاح على الثقافات الأخرى؛ فهل نحن مستعدون لمواكبتها؟

لم يعد الجمهور السعودي، خاصة الشباب، مجرد متلقٍّ أو مشاهد سلبي للإعلانات، بل أصبح أكثر تفاعلاً وتأثيراً. يصنعون المحتوى بأنفسهم، ويعيدون تشكيله، ويقدّمون رؤيتهم للعالم، ويتفاعلون معه بطرق مبتكرة. هذا الجيل يرفض التلقين ويبحث عن تجارب مليئة بالمعاني الحقيقية..

الأهم من ذلك، أنهم يسعون لرؤية أنفسهم في المحتوى، ليس كنسخ مكررة من شخصيات جاهزة أو صور نمطية، بل بوصفهم أفراداً حقيقيين، داخلهم إرث وخارجهم ابتكار، يتطلّعون إلى تجارب واقعية، بأصواتهم الحاضرة من دون تزييف.

جيل الألفية والجيل زد (Z) في السعودية يعيشون في توازن محيّر؛ عالميون في اختياراتهم، لكنهم متجذرون في هويتهم الثقافية، ومتعلقون بإرثهم المحلي، يحبون الأصالة ويبحثون عن خوض تجارب جديدة، يمزجون الواقع بالخيال، ويستلهمون من تراثهم دون الوقوع في فخ التقليد.

وعلى الرغم من هذه المعادلة، إلا أن العديد من الحملات الإعلانية تعجز عن مواكبة ثقافة التغيير المتسارعة، ويتم تنفيذها بحذر، والنتيجة إعلاناتٌ مبدعة لكن تفتقد للروح. قصص مكررة، ورسائل تصيب الأهداف التسويقية لكنها لا تلامس وجدان الناس.

نعم؛ قد تحصد الملايين من المشاهدات، ولكن هل تترك أثراً حقيقياً؟ هل يصل تأثيرها إلى المشاهد بشكل شخصي؟

نحن نلاحق الأرقام بينما يتوجب علينا البحث عن المغزى؛ نركض وراء المظاهر في حين يجب أن نسعى لتحقيق الفَهْم الحقيقي.

إغراءات الذكاء الاصطناعي

تشكّل أدوات الذكاء الاصطناعي قوة مدهشة تسابق الزمن. بضغطة زر، يمكن أن تولّد نصوصاً وأفكاراً لا حصر لها. تعدنا بالسرعة والكفاءة، لكن لا تمنحنا أكثر مما تعلّمته؛ فهي تلتقط الأنماط وتعيد إنتاجها دون فَهْم للتباينات الدقيقة أو إدراك للتعقيدات البشرية.

من السهل الانبهار بالسرعة، وأن نلجأ إليها لإعداد الحملات وإعادة صياغتها، لكن أيّ روح ستسكن هذا العمل إن استبعدنا العقل البشري والمشاعر؟

يعجز الذكاء الاصطناعي عن اكتشاف أعماق الأجيال، ولا يمكنه فَهْم عمق دُعابة محلية، أو التنبؤ بالتغيرات الثقافية المستمرة في السعودية، إذ لا يمكنه التقاط تلك الإشارات الخفية.

نحن لا نعارض الذكاء الاصطناعي، بل هو دفاعٌ وتقدير لعقل الإنسان ودوره في الإبداع.

ما الذي يتطلبه المجال اليوم؟

تتطلب معضلة الإبداع في الإعلانات أكثر من مجرد اقتناء أدوات متطورة؛ فالمسألة تتطلب إعادة النظر في العمق. نحتاج إلى علامات جريئة تجسد روح المملكة الجديدة، ومبدعين جريئين مستعدين للتجربة والمخاطرة، لا يخشون تجاوز الحدود إن كان سيفتح أمامهم آفاقاً جديدة.

آن الأوان لإفساح المجال أمام مواهب متنوّعة؛ الشعراء، صُنّاع الأفلام، الخبراء الرقميين، اللاعبين، المبرمجين، رواة القصص، وكل من يتحدث بلغة الثقافة، هؤلاء يلتقطون التفاصيل الجوهرية التي قد تمرّ من دون أن يلاحظها الكثيرون.

الفَهْم الحقيقي ينبع من الداخل وليس من الخارج. لذلك، يجب إعادة تعريف مفهوم النجاح، ليس فقط من خلال المشاهدات أو النقرات أو نسب التحويل، بل بعمق الأثر الذي تتركه الرسالة؛ هل أشعلتْ حواراً؟ هل أوجدتْ شعوراً حقيقياً؟ هل حفّزت التأمل أو الابتسامة أو طرح الأسئلة؟

التوجهات تغيرت!

في عام 2025، الإعلانات في السعودية ليست مجرد وسيلة لجذب الانتباه، بل أصبحت مسؤولية لكسب الثقة، تتجاوز مفهوم الترويج إلى تشكيل وعي ثقافي حول كيف يرى الناس أنفسهم ويستشرفون مستقبلهم.

لم يعد كافياً أن نطوّر أساليبنا في العرض، بل نحتاج إلى خيال يقودنا للابتكار، ومسار يجمعنا في رحلة الإبداع، وجرأة تكسر القيود.

الجرأة على الشعور والإحساس، والتخلي عن الأمان الزائف في الأفكار، والخروج من الصندوق المغلق. الجرأة على خلق عمل يثير الجدل أحياناً، لكنه يترك بصمة لا تُمحى.

والسؤال المحوري هنا؛ هل ما زلنا نركض خلف الأرقام والمقاييس؟ أم أننا مستعدون أخيراً لصناعة محتوى يحمل معنى ويعكس روح الناس بشكل حقيقي؟